فصل: باب إدراك الفريضة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب إدراك الفريضة

حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الأداء الكامل وكله مسائل الجامع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ صلى ركعة من الظهر فأقيم يتم شفعا ويقتدي‏)‏ لأن الأصل أن نقض العبادة قصدا بلا عذر حرام لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تبطلوا أعمالكم‏}‏ ولإفضائه إلى السفه خصوصا إذا كانت فرضا وأن النقض للإكمال إكمال معنى فيجوز كنقض المسجد للإصلاح وكنقض الظهر للجمعة وكمن أصاب جبهته شوك في سجوده فرفع ثم وضع لم يجعل سجدتين وللجماعة مزية على الصلاة منفردا بالحديث فجاز نقض الصلاة منفردا لإحراز الجماعة ولكن هذا إذا لم تثبت شبهة الفراغ من صلاته منفردا فإن ثبتت شبهته لا ينقضها لأن العبادة بعدما فرغ منها لا تقبل البطلان إلا بالردة فنقول إن صلى ركعة من الظهر يضم إليها أخرى ثم يسلم ويدخل مع القوم لأنه يمكنه إحراز الجماعة مع إحراز النفل بإضافة ركعة أخرى إليها إذ التطوع شرع شفعا لا وترا ومتى أمكن إدراك العبادتين لا يصار إلى إبطال أحدهما وقد صرح الكل هنا بأنه إنما يضم ركعة أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان وهو صريح فيمن صلى ركعة فقط فهي باطلة لا أنها صحيحة مكروهة كما توهمه بعض حنفية عصرنا فإن قيل لو ضم تفوته تكبيرة الافتتاح قلنا ذلك أيسر من إبطال العمل إذ صيانته عن البطلان واجبة وإدراكها فضيلة وجاز الإبطال لما هو سنة لأنه إكمال معنى كما قدمناه والمعاني أحق بالاعتبار من الصور كمن تذكر في الركوع السورة فإنه يرفضه لأجلها مع أنها واجبة وهو فرض لأن في رفضه إقامته على أكمل الوجوه فصار حسنا مع أنه إبطال للوصف فقط وقول محمد بطلان الوصف يستلزم بطلان الأصل هو فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي كما إذا قيد خامسة الظهر بسجدة ولم يكن قعد الأخيرة أما إذا كان متمكنا من المضي لكنه أذن له الشرع في عدمه فلا يبطل أصلها بل تبقى نفلا إذا ضم الثانية أراد بالظهر الفرض الرباعي وأراد بالإقامة شروع الإمام في موضع هو فيه لا إقامة المؤذن لأنه لا يقطع صلاته إذا أقام المؤذن وإن لم يقيد بالسجدة بل يتمها ركعتين كما في غاية البيان وغيره ولو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو كان في مسجد فأقيمت في مسجد آخر الفريضة لا يقطعها مطلقا كما ذكره الشارح وغيره وقيد بالركعة التي تتم بالسجدة لأنه لو لم يقيد الأولى بالسجدة فإنه يقطع ويشرع مع الإمام وهو الصحيح لأنه بمحل الرفض والقطع للإكمال كذا في الهداية وفي المحيط والكافي هو الأشبه وقيد بالفرض لأنه لو كان في النفل لا يقطع مطلقا وإنما يتمه ركعتين واختلفوا في السنة قبل الظهر أو الجمعة إذا أقيمت أو خطب الإمام فالصحيح أنه يتمها أربعا كما صرح به الولوالجي وصاحب المبتغى والمحيط ثم الشمني لأنها صلاة واحدة وليس القطع للإكمال بل للإبطال صورة ومعنى وقيل يقطع على رأس الركعتين ورجحه في فتح القدير بحثا بأنه يتمكن من قضائها بعد الفرض ولا إبطال في التسليم على الركعتين فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على الوجه الأكمل بلا سبب ا هـ‏.‏ والظاهر ما صححه المشايخ لأنه لا شك أن في التسليم على رأس الركعتين إبطال وصف السنية لا لإكمالها وتقدم أنه لا يجوز ويشهد لهم إثبات أحكام الصلاة الواحدة للأربع من عدم الاستفتاح والتعوذ في الشفع الثاني إلى غير ذلك كما قدمناه وأراد من الظهر الظهر المؤدى لأنه لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت لا يقطع كالنفل والمنذورة كالفائتة كذا في الخلاصة وقيدنا بكون الإبطال حراما لغير عذر لأنه لو كان لعذر فإنه جائز كالمرأة إذا فار قدرها والمسافر إذا ندت دابته أو خاف فوت درهم من ماله بل قد يكون واجبا كالقطع لإنجاء غريق وفي فتاوى الولوالجي المصلي إذا دعاه أحد أبويه فلا يجيبه ما لم يفرغ من صلاته إلا أن يستغيث به لأن قطع الصلاة لا يجوز إلا لضرورة وكذلك الأجنبي إذا خاف أن يسقط من سطح أو تحرقه النار أو يغرقه الماء وجب عليه أن يقطع الصلاة هذا إذا كان في الفرض فأما في النوافل إذا ناداه أحد أبويه إن علم أنه في الصلاة وناداه لا بأس به أن لا يجيبه وإن لم يعلم يجيبه ا هـ‏.‏ ومن العذر ما إذا شرع في نفل فحضرت جنازة خاف إن لم يقطعها تفوته فإنه يقطعها ويصلي عليها لأنه لا يتمكن من المصلحتين معا وقطع النفل معقب للقضاء بخلاف الجنازة لو اختار تفويتها كان لا إلى خلف كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو صلى ثلاثا يتم ويقتدي متطوعا‏)‏ لأن للأكثر حكم الكل فلا يحتمل النقض وإنما يقتدي متطوعا لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد وصرح في الحاوي القدسي أن ما يؤدى مع الإمام نافلة يدرك بها فضيلة الجماعة ولا يرد عليه العصر فإنه لا يقتدي بعدها لما علم من باب الأوقات المكروهة ولهذا قيد بالظهر وقيد بالثلاث لأنه لو كان في الثالثة ولم يقيدها بالسجدة فإنه يقطعها لأنه بمحل الرفض ويتخير إن شاء عاد وقعد وسلم وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام كذا في الهداية وفي المحيط الأصح أنه يقطع قائما بتسليمة واحدة لأن القعود مشروط للتحلل وهذا قطع وليس بتحلل فإن التحلل عن الظهر لا يكون على رأس الركعتين وتكفيه تسليمة واحدة للقطع ا هـ‏.‏ وهكذا صححه في غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام واختلفوا فيما إذا عاد هل يعيد التشهد قيل نعم لأن الأول لم يكن قعود ختم وقيل يكفيه ذلك التشهد لأنه لما قعد ارتفض ذلك القيام فكأنه لم يقم وأورد على قوله ويقتدي متطوعا أن التطوع بجماعة مكروه خارج رمضان وأجيب بنعم إذا كان الإمام والقوم متطوعين أما إذا أدى الإمام الفرض والقوم النفل فلا لقوله عليه الصلاة والسلام للرجلين ‏{‏إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة قوم فصليا معهم واجعلا صلاتكما معهم سبحة» أي نافلة كذا في الكافي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن صلى ركعة من الفجر أو المغرب فأقيم يقطع ويقتدي‏)‏ لأنه لو أضاف إليها أخرى لفاتته الجماعة لوجود الفراغ حقيقة في الفجر أو شبهه في المغرب لأن للأكثر حكم الكل وشمل كلامه ما إذا قام إلى الثانية ولم يقيدها بالسجدة وقيد بالركعة احترازا عما إذا قيد الثانية بسجدة فإنه لا يقطعها ويتمها ولا يشرع مع الإمام لكراهة النفل بعد الفجر وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية علله في الكافي بأنه إن وافق إمامه خالف السنة بالتنفل بالثلاث وإن وافق السنة فجعلها أربعا خالف إمامه وكل ذلك بدعة فإن شرع أتمها أربعا لأنه أحوط إذ فيه زيادة الركعة وموافقة السنة أحق لأن مخالفة الإمام مشروعة في الجملة كالمسبوق فيما يقضي والمقتدي إذا اقتدى بالمسافر ومخالفة السنة لم تشرع أصلا كذا في الكافي وعلله في الهداية بأن التنفل بالثلاث مكروه وفي غاية البيان أنه بدعة وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه حرام والظاهر ما في الهداية ويراد بالكراهة التحريمية لأن المشايخ يستدلون بأنه عليه السلام نهى عن البتيراء كما في غاية البيان وهو من قبيل ظني الثبوت قطعي الدلالة فيفيد كراهة التحريم على أصولنا ولو سلم مع الإمام فعن بشر لا يلزمه شيء وقيل فسدت ويقضي أربعا لأنه التزم بالاقتداء ثلاثا فيلزمه أربع كما لو نذر ثلاثا وإذا أتمها أربعا يصلي ركعة ويقعد لأن الأولى من الصلاة ثانية صلاته ولو تركها جازت في الاستحسان لا القياس ولو صلى الإمام أربعا ساهيا بعدما قعد على رأس الثلاث وقد اقتدى به الرجل متطوعا قال ابن الفضل تفسد صلاة المقتدي لأن الرابعة وجبت على المقتدي بالشروع وعلى الإمام بالقيام إليها فصار كرجل أوجب على نفسه أربع ركعات بالنذر فاقتدى فيهن بغيره لا تجوز صلاة المقتدي كذا هذا كذا في فتح القدير قال في الخلاصة المختار فساد صلاة المقتدي قعد الإمام على رأس الثالثة أو لم يقعد ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره خروجه من مسجد أذن فيه حتى يصلي وإن صلى لا إلا في الظهر والعشاء إن شرع في الإقامة‏)‏ لحديث ابن ماجه ‏{‏من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق» وأخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال‏:‏ ‏[‏كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر قال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم‏]‏ والموقوف في مثله كالمرفوع وهذا يدل على أن الكراهة تحريمية وهي المحمل عند إطلاقها كما قدمناه واستثنى المشايخ منها ما إذا كان ينتظم به أمر جماعة أخرى بأن كان مؤذنا أو إماما في مسجد تتفرق الجماعة بغيبته فإنه يخرج بعد النداء لأنه ترك صورة تكميل معنى والعبرة للمعنى زاد في النهاية أو يكون خرج ليصلي في مسجد حيه مع الجماعة فلا بأس به مطلقا من غير قيد بالإمام والمؤذن ا هـ‏.‏ ولا يخفى ما فيه إذ خروجه مكروه تحريما والصلاة في مسجد حيه مندوبة فلا يرتكب المكروه لأجل المندوب ولا دليل يدل على تقييدها بما ذكره وأطلقه المصنف فشمل ما أذن فيه وهو داخله أو دخل بعد الأذان والظاهر أن مرادهم من الأذان فيه هو دخول الوقت وهو داخله سواء أذن فيه أو في غيره كما أن الظاهر من الخروج من غير صلاة عدم الصلاة مع الجماعة سواء خرج أو كان ماكثا في المسجد من غير صلاة كما نشاهده في زماننا من بعض الفسقة حتى لو كانت الجماعة يؤخرون لدخول الوقت المستحب كالصبح مثلا فخرج إنسان من المسجد بعد دخول الوقت ثم رجع وصلى مع الجماعة ينبغي أن لا يكون مكروها ولم أره كله منقولا وقوله وإن صلى لا أي وإن صلى الفرض وحده لا يكره خروجه قبل أن يصلي مع الجماعة لأنه قد أجاب داعي الله مرة فلا يجب عليه ثانيا والظاهر أن مرادهم عدم كراهة الخروج لا عدمها مطلقا لأن من صلى وحده فقد ارتكب المكروه وهو ترك الجماعة لأنها على الصحيح إما سنة مؤكدة أو واجبة ولم أر من نبه عليه واستثنى المصنف الظهر والعشاء عند الشروع في الإقامة فإنه يكره لمن صلى وحده أن يخرج قبل الصلاة مع الجماعة لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا والنفل بعد هاتين الصلاتين ليس بمكروه وأما في الفجر والعصر فلا يكره له الخروج لكراهة التنفل بعدهما وأما في المغرب فلما فيه من التنفل بالثلاث أو مخالفة الإمام إن أتمها أربعا وكل منهما مكروه كما سبق ولم يذكر المصنف حكم المكث في المسجد بلا صلاة أما في موضع لا يكره التنفل فالكراهة ظاهرة وأما في موضع يكره التنفل فذكر في المحيط أنه في العصر والمغرب والفجر يخرج لكراهة التطوع بعدها فإن مكث وإن لم يدخل معهم يكره لأن مخالفة الجماعة وزر عظيم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن خاف فوت الفجر إن أدى سنته أيتم وتركها وإلا لا‏)‏ لأن الأصل أن سنة الفجر لها فضيلة عظيمة قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وكذا ما قدمناه وكذا للجماعة بالأحاديث المتقدمة فإذا تعارضا عمل بها بقدر الإمكان وإن لم يمكن بأن خشي فوت الركعتين أحرز أحقهما وهو الجماعة لورود الوعد والوعيد في الجماعات والسنة وإن ورد الوعد فيها لم يرد الوعيد بتركها ولأن ثواب الجماعة أعظم لأنها مكملة ذاتية والسنة مكملة خارجية والذاتية أقوى وشمل كلامه ما إذا كان يرجو إدراكه في التشهد فإنه يأتي بالسنة وظاهر ما في الجامع الصغير حيث قال إن خاف أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام أن لا يأتي بالسنة وفي الخلاصة ظاهر المذهب أنه يدخل مع الإمام ورجحه في البدائع بأن للأكثر حكم الكل فكأن الكل قد فاته فيقدم الجماعة ونقل في الكافي والمحيط أنه يأتي بها عندهما خلافا لمحمد لأن إدراك القعدة عندهما كإدراك ركعة في الجمعة خلافا له وقد جعل المصنف لسنة الفجر حكمين أما الفعل إن لم يخف فوت الجماعة وهو المراد بفوت الفجر بقرينة قوله أيتم وأما الترك إن خاف فوت الجماعة فاندفع ما ذكره الفقيه إسماعيل الزاهد من أنه ينبغي أن يفتتح ركعتي الفجر ثم يقطعهما ويدخل مع الإمام حتى تلزمه بالشروع فيتمكن من القضاء بعد الفجر وهو مردود من وجهين أحدهما ما ذكره الإمام السرخسي أن ما وجب بالشروع لا يكون أقوى مما وجب بالنذر وقد نص محمد أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس ثانيهما ما ذكره قاضي خان في شرح الجامع الصغير أن المشايخ نكروا عليه ذلك لأن هذا أمر بافتتاح الصلاة على قصد أن يقطع ولا يتم وأنه غير مستحسن ثم إن هنا قيدا تركه المصنف في قوله وإلا لا وهو أن يجد مكانا عند باب المسجد يصلي السنة فيه فإن لم يجد فينبغي أن لا يصلي السنة لأن ترك المكروه مقدم على فعل السنة كذا في فتح القدير وهو متفرع على أحد القولين لما في المحيط ولو صلاهما في المسجد الخارج والإمام يصلي في المسجد الداخل قيل لا يكره لأنه لا يتصور بصورة المخالفة للقوم لاختلاف المكان حقيقة وقيل يكره لأن ذلك كله كمكان واحد فإذا اختلف المشايخ فيه كان الأفضل أن لا يفعل ا هـ‏.‏ فالحاصل أن حكم المصلي نافلة أو سنة لا يخلو إما أن يكون قبل شروع الإمام في الفرض أو بعده فإن كان الأول لا يخلو إما أن يكون وقت إقامة المؤذن أو قبله فإن كان قبل إقامة المؤذن فله أن يأتي بهما في أي موضع أراد من المسجد أو غيره إلا في الطريق كما قدمناه وإن كان وقت إقامة المؤذن ففي البدائع إذا دخل المسجد للصلاة وقد كان المؤذن أخذ في الإقامة يكره له التطوع سواء كان ركعتي الفجر أو غيرهما لأنه يتهم بأنه لا يرى صلاة الجماعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم» ا هـ‏.‏ وبحث العلامة الحلبي بأن هذا الظن يزول عنه في ثاني الحال إذا شوهد شروعه فيها بعد فراغه من السنة وقد نص محمد في كتب الصلاة من الأصل في المؤذن يأخذ في الإقامة أيكره أن يتطوع قال نعم إلا ركعتي الفجر واختلف المشايخ في فهمه فمنهم من قال موضوعها فيما إذا انتهى إلى الإمام وقد سبقه بالتكبير فيأتي بركعتي الفجر وعامتهم على الإطلاق سواء وصل إلى الإمام بعد شروعه أو قبله في الإقامة كما ذكره فخر الإسلام ا هـ‏.‏ يعني فما في البدائع من التعميم لركعتي الفجر ليس على قول العامة ويشهد له ما في الحاوي القدسي والمحيط ولا يتطوع إذا أخذ المؤذن في الإقامة إلا ركعتي الفجر ا هـ‏.‏ إلا أنه قد يقال إن ما يوقع في التهمة لا يرتكب وإن ارتفعت بعده كما ورد عن علي إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره وإن كان الثاني فيكره له أن يشتغل بنفل أو سنة مؤكدة إلا سنة الفجر على التفصيل السابق ثم السنة في السنن أن يأتي بها في بيته أو عند باب المسجد وإن لم يمكن ففي المسجد الخارج وإن كان المسجد واحدا فخلف الأسطوانة ونحو ذلك أو في آخر المسجد بعيدا عن الصفوف في ناحية منه وتكره في موضعين الأول أن يصليها مخالطا للصف مخالفا للجماعة الثاني أن يكون خلف الصف من غير حائل بينه وبين الصف والأول أشد كراهة من الثاني وأما السنن التي بعد الفرائض فالأفضل فعلها في المنزل إلا إذا خاف الاشتغال عنها لو ذهب إلى البيت فيأتي بها في المسجد في أي مكان منه ولو في مكان صلى فيه فرضه والأولى أن يتنحى خطوة ويكره للإمام أن يصلي في مكان صلى فيه فرضه كذا في الكافي وغيره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم تقض إلا تبعا‏)‏ أي لم تقض سنة الفجر إلا إذا فاتت مع الفرض فتقضى تبعا للفرض سواء قضاها مع الجماعة أو وحده لأن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب والحديث ورد في قضائها تبعا للفرض في غداة ليلة التعريس فبقي ما وراءه على الأصل فأفاد المصنف أنها لا تقضى قبل طلوع الشمس أصلا ولا بعد الطلوع إذا كان قد أدى الفرض وشمل كلامه ما إذا قضاهما بعد الزوال أو قبله ولا خلاف في الثاني واختلف المشايخ في الأول على قولهما والصحيح كما في غاية البيان أنها لا تقضى تبعا لأن النص ورد بقضائها في الوقت المهمل بخلاف القياس وما ورد على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس وهي واردة على المصنف فلو قال ولم تقض إلا تبعا قبل الزوال لكان أولى وقيد بسنة الفجر لأن سائر السنن لا تقضى بعد الوقت لا تبعا ولا مقصودا واختلف المشايخ في قضائها تبعا للفرض في الوقت والظاهر قضاؤها وأنها سنة لاختلاف الشيخين في قضاء الأربع قبل الظهر قبل الركعتين أو بعدهما كما سيأتي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقضى التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه‏)‏ بيان لشيئين أحدهما القضاء والثاني محله أما الأول ففيه اختلاف والصحيح أنها تقضى كما ذكره قاضي خان في شرحه مستدلا بما عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ‏{‏كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاهن بعده» وظاهر كلام المصنف أنها سنة لا نفل مطلق وذكر قاضي خان أنه إذا قضاها فهي لا تكون سنة عند أبي حنيفة وعندهما سنة وتبعه الشارح وتعقبه في فتح القدير بأنه من تصرف المصنفين فإن المذكور من وضع المسألة الاتفاق على قضاء الأربع وإنما الاختلاف في تقديمها أو تأخيرها والاتفاق على أنها تقضى اتفاق على وقوعها سنة إلى آخر ما ذكره وأما الثاني فاختلف فيه النقل عن الشيخين فذكر في الجامع الصغير للحسامي أن أبا يوسف يقدم الركعتين ومحمد يؤخرهما وفي المنظومة وشروحها على العكس وفي غاية البيان ويحتمل أن يكون عن كل واحد من الإمامين روايتان ورجح في فتح القدير تقديم الركعتين لأن الأربع فاتت عن الموضع المسنون فلا يفوت الركعتين عن موضعهما قصدا بلا ضرورة ا هـ‏.‏ وحكم الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يصل الظهر جماعة بإدراك ركعة‏)‏ لما في الجامع الكبير إذا قال عبده حر إن صلى الظهر بجماعة فسبق ببعضها لم يحنث وهو شامل لما إذا سبق بركعة أو بأكثر وذكر قاضي خان في شرحه أن الظاهر الجواب أنه إذا فاتته ركعة مع الإمام وصلى الثلاث معه لا يحنث لأنه لم يصل الكل مع الإمام فلو قال المصنف بإدراك بعضها لكان أولى لكن ذكر الإمام السرخسي أنه يحنث لأن للأكثر حكم الكل ولا يحنث إذا صلى ركعتين فقط اتفاقا كما لا يخفى أما على الأول فظاهر وأما على قول السرخسي فلأنه ليس بأكثر حتى يقام مقام الكل ومما يضعف قول السرخسي ما اتفقوا عليه في باب الأيمان أنه لو حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث إلا بأكل كله فإن الأكثر لا يقام مقام الكل لكن في الخلاصة من كتاب الأيمان لو حلف لا يقرأ سورة فقرأها إلا حرفا حنث ولو قرأها إلا آية طويلة لا يحنث‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بل أدرك فضلها‏)‏ أي فضل الجماعة لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه ولحديث الصحيح‏:‏ «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» وهو مجمع عليه وإنما خص محمد ا بالذكر في الهداية لأن الشبهة وردت على قوله أن مدرك الإمام في التشهد في صلاة الجمعة لا يكون مدركا للجمعة فكان مقتضى قوله أن لا يدرك فضيلة الجماعة في هذه المسألة لأنه مدرك للأقل فأزال الوهم بذكر محمد وذكر في الكافي وغيره أنه لو قال عبده حر إن أدرك الظهر فإنه يحنث بإدراك ركعة لأن إدراك الشيء بإدراك آخره يقال أدركت أيامه أي آخرها وفي الخلاصة من كتاب الأيمان من الفصل الحادي عشر لو قال عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام فأدرك الإمام في التشهد ودخل في صلاته فإنه يحنث ا هـ‏.‏ فعلم أن إدراك الركعة ليس بشرط فلو قال المصنف بل يكون مدركا لها لكان أولى ليشمل الثواب والحنث في اليمين المذكورة وفي غاية البيان أن المسبوق يكون مدركا لثواب الجماعة لكن لا يكون ثوابه مثل ثواب من أدرك أول الصلاة مع الإمام لفوات التكبيرة الأولى ا هـ‏.‏ وقد صرح الأصوليون بأن فعل المسبوق أداء قاصر بخلاف المدرك فإنه أداء كامل وأما اللاحق فصرحوا بأن ما يقضيه بعد فراغ الإمام أداء شبيه بالقضاء فظاهر كلام الشارح أن اللاحق كالمدرك لكونه خلف الإمام حكما ولهذا لا يقرأ ا هـ‏.‏ فيقتضي أن يحنث في يمينه لو حلف لا يصلي بجماعة ولو فاته مع الإمام الأكثر فظاهر كلامهم أن من أدرك الإمام في التشهد فقد أدرك فضلها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتطوع قبل الفرض إن أمن فوت الوقت وإلا لا‏)‏ أي وإن لم يأمن لا يتطوع لأن صلاة التطوع عند ضيق الوقت حرام لتفويتها الفرض وإن لم يضق الوقت فله أن يتطوع فإن كانت سنة مؤكدة ولم تفته الجماعة فإنه يسن في حقه الإتيان بها باتفاق المشايخ وإن فاتته الجماعة ففيه اختلاف والصحيح أنه يسن الإتيان بها كما ذكره قاضي خان في شرحه لكونها مكملات للفرائض وإن لم تكن مؤكدة فإن كان من المستحبات يستحب الإتيان بها وإلا فهو مخير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن أدرك إمامه راكعا فكبر ووقف حتى رفع رأسه لم يدرك الركعة‏)‏ خلافا لزفر هو يقول أدرك الإمام فيما له حكم القيام ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في الركوع وذكر قاضي خان أن ثمرة الخلاف تظهر في أن هذا عنده لاحق في هذه الركعة حتى يأتي بها قبل فراغ الإمام وعندنا هو مسبوق بها حتى يأتي بها بعد فراغ الإمام وأجمعوا أنه لو انتهى إلى الإمام وهو قائم فكبر ولم يركع مع الإمام حتى ركع الإمام ثم ركع أنه يصير مدركا لتلك الركعة وأجمعوا أنه لو اقتدى به في قومة الركوع لم يصر مدركا لتلك الركعة ا هـ‏.‏ وفي المصفى وهذا إذا أمكنه الركوع أما إذا لم يمكنه لا يعتد به عند زفر أيضا وفي حيرة الفقهاء إمام افتتح الصلاة فلما ركع ورفع رأسه من الركوع ظن أنه لم يقرأ السورة فرجع وقرأ ثم علم أنه كان قرأ السورة فجاء رجل ودخل معه في الصلاة ثم ركع ثانيا فإن هذا المسبوق يصير داخلا في الصلاة لكن عليه أن يقضي ركعة لأن الركوع الأول كان فرضا تاما والآخر نفلا فصار كأن المسبوق لم يدرك الركوع من هذه الركعة ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ومدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبيرتين خلافا لبعضهم ولو نوى بتلك التكبيرة الواحدة الركوع لا الافتتاح جاز ولغت نيته ا هـ‏.‏ ثم اعلم أنه إذا لم يكن مدركا للركعة فإنه يجب عليه أن يتابع الإمام في السجدتين وإن لم يحتسبا له كما لو اقتدى بالإمام بعدما رفع الإمام رأسه من الركوع صرح قاضي خان في فتاويه بأن عليه المتابعة في السجدتين وإن لم يحتسبا له وصرح به في العمدة وصرح في الذخيرة بأن المتابعة فيهما واجبة ومقتضاه أنه لو تركهما لا تفسد صلاته وقد توقفنا في ذلك مدة حتى رأيت في التجنيس معزيا إلى فتاوى أئمة سمرقند أنه لا تفسد لو ترك وعبارته رجل انتهى إلى الإمام وقد سجد سجدة فكبر ونوى الاقتداء به ومكث قائما حتى قام الإمام ولم يتابعه في السجدة ثم تابعه في بقية الصلاة فلما فرغ الإمام قام وقضى ما سبق به تجوز الصلاة إلا أنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها بعد فراغ الإمام وإن كانت المتابعة حين يشرع واجبة في تلك السجدة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ركع مقتد فأدركه إمامه فيه صح‏)‏ وقال زفر لا يجزئه لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به فكذا ما ينبه عليه ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في الطرف الأول قيد بكون إمامه شاركه فيه لأن المقتدي لو رفع رأسه قبل أن يركع الإمام فإنه لا يصح اتفاقا لعدم المشاركة فيه والمتابعة وأراد بالركوع كل ركن سبقه المأموم به وقيده في الذخيرة بأن يركع المقتدي بعد فراغ الإمام من القراءة أما لو ركع قبل أن يأخذ الإمام في القراءة ثم قرأ الإمام وركع والرجل راكع فأدركه في الركوع لا يجزئه عن الركوع لأنه ركع قبل أوانه ولو ركع بعدما قرأ الإمام ثلاث آيات ثم أتم القراءة وأدركه جاز ولو ركع الإمام بعدما قرأ الفاتحة ونسي السورة فرفع المقتدي معه ثم عاد الإمام إلى السورة ثم ركع والمقتدي على ركوعه الأول أجزأه الركوع ولو تذكر الإمام في ركوعه في الركعة الثالثة أنه ترك سجدة من الركعة الثانية فاستوى الإمام فسجد للثانية وأعاد التشهد ثم قام وركع للثالثة والرجل على حاله راكع لم يجز المقتدي ذلك الركوع والوجه ظاهر ا هـ‏.‏ وذكر المصنف في الكافي في مسألة الكتاب أنه يصح ويكره لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تبادروني بالركوع والسجود» وقوله عليه السلام‏:‏ «أما يخشى الذي يركع قبل الإمام ويرفع أن يحول الله رأسه رأس حمار» ا هـ‏.‏ وهو يفيد أنها كراهة تحريم للنهي المذكور وفي الخلاصة المقتدي إذا أتى بالركوع والسجود قبل الإمام هذه على خمسة أوجه إما أن يأتي بهما قبله أو بعده أو بالركوع قبله وسجد معه أو بالركوع معه وسجد قبله أو أتى بهما قبله ويدركه الإمام في آخر الركعات فإن أتى بالركوع والسجود قبل الإمام في كلها يجب عليه قضاء ركعة بلا قراءة ويتم صلاته وإذا ركع معه وسجد قبله يجب عليه قضاء ركعتين وإذا ركع قبله وسجد معه يقضي أربعا بلا قراءة وإذا ركع بعد الإمام وسجد بعده جازت صلاته ا هـ‏.‏ ووجهه في فتح القدير بأن مدرك أول صلاة الإمام لاحق وهو يقضي قبل فراغ الإمام ففي الصورة الأولى فاتته الركعة الأولى فركوعه وسجوده في الثانية قضاء عن الأولى وفي الثالثة عن الثانية وفي الرابعة عن الثالثة ويقضي بعد الإمام ركعة بغير قراءة لأنه لاحق وفي الثانية تلتحق سجدتاه في الثانية بركوعه في الأولى لأنه كان معتبرا ويلغو ركوعه في الثانية لوقوعه عقب ركوعه الأول بلا سجود بقي عليه ركعة ثم ركوعه في الثالثة مع الإمام معتبر ويلتحق به سجوده في رابعة الإمام فيصير عليه الثانية والرابعة فيقضي ركعتين وقضاء الأربع في الثالثة ظاهر ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة المقتدي إذا رفع رأسه من السجدة قبل الإمام وأطال الإمام السجدة فظن المقتدي أن الإمام في السجدة الثانية فسجد ثانيا والإمام في السجدة الأولى إن نوى متابعة الإمام أو نوى السجدة التي فيها الإمام أو نوى السجدة الأولى جاز وإن نوى السجدة الثانية وكان الإمام في الأولى فرفع الإمام رأسه من السجدة وانحط للثانية فقبل أن يضع الإمام جبهته على الأرض للسجدة رفع المقتدي من الثانية لا تجوز سجدة المقتدي وكان عليه إعادة تلك السجدة ولو لم يعد تفسد صلاته ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏